خطر الموت يقترب.. نشطاء "فلسطين أكشن" بين القضبان يقاضون الحكومة البريطانية

خطر الموت يقترب.. نشطاء "فلسطين أكشن" بين القضبان يقاضون الحكومة البريطانية
احتجاجات في لندن للمطالبة بالإفراج عن نشطاء فلسطين أكشن

تتصاعد في بريطانيا أزمة إنسانية وقانونية مع دخول إضراب عدد من نشطاء حركة "فلسطين أكشن" عن الطعام مرحلة حرجة، وسط اتهامات مباشرة للحكومة البريطانية بالتخلي عن مسؤولياتها في حماية سلامة السجناء، ومع تدهور الحالة الصحية للمضربين ونقل بعضهم إلى المستشفيات، لم تعد القضية شأناً قانونياً محصوراً داخل أسوار السجون، بل تحولت إلى ملف سياسي وإنساني مفتوح على أسئلة أخلاقية عميقة تتعلق بحق الحياة وحرية التعبير وحدود استخدام القوانين الأمنية.

وفق ما ذكرته صحيفة الإندبندنت البريطانية الثلاثاء بدأ الإضراب المفتوح عن الطعام في 2 نوفمبر، حين أعلن 8 نشطاء من حركة "فلسطين أكشن" امتناعهم الكامل عن تناول الطعام احتجاجاً على استمرار احتجازهم ومنع الإفراج عنهم بكفالة، إضافة إلى اعتراضهم على حظر الحركة بموجب قوانين مكافحة الإرهاب، ومع مرور الأيام، تحول الإضراب من خطوة احتجاجية رمزية إلى معركة وجود حقيقية، بعدما دخل المضربون أسابيع طويلة من الامتناع عن الطعام، وسط تحذيرات طبية متصاعدة من مخاطر تهدد حياتهم.

تحذيرات طبية 

خلال الأسابيع الماضية، نُقل 7 سجناء مضربين إلى المستشفى نتيجة تدهور حالتهم الصحية، منهم آمو غيب البالغ من العمر 30 عاماً الذي أمضى 51 يوماً دون طعام داخل سجن برونزفيلد، وأصبح غير قادر على الحركة ويحتاج إلى كرسي متحرك، كما نُقل كمران أحمد البالغ 28 عاماً من سجن بنتونفيل إلى المستشفى بعد 43 يوماً من الإضراب، وتشير تقارير الأطباء إلى أن هذه الحالات ليست معزولة، بل تمثل مؤشرات خطيرة على احتمال تطور مضاعفات تهدد الحياة في أي لحظة.

أكثر من 800 طبيب وقعوا تحذيراً مشتركاً أكدوا فيه أن استمرار الإضراب يعرّض المضربين لمخاطر جسيمة تشمل فشل الأعضاء الحيوية، أضراراً عصبية دائمة، اضطرابات حادة في نبض القلب، واحتمال الوفاة المفاجئة، وأكد الأطباء أن طول مدة الإضراب يضاعف الخطر بشكل كبير، وأن أي تأخير في التدخل قد يؤدي إلى نتائج لا يمكن تداركها، ما يضع السلطات البريطانية أمام مسؤولية أخلاقية وقانونية مباشرة.

في ظل هذا الوضع المتأزم، بدأ نشطاء الحركة المضربون عن الطعام إجراءات قانونية ضد الحكومة البريطانية، وذكرت صحيفة الإندبندنت أن شركة المحاماة التي تمثلهم وجهت رسالة تمهيدية عاجلة إلى وزير العدل ديفيد لامي، طالبت فيها برد رسمي خلال 24 ساعة، ووصفت الوضع بأنه طارئ بكل المقاييس، وحذرت الرسالة من أن خطر وفاة بعض المعتقلين يتزايد يوماً بعد يوم، ودعت إلى عقد اجتماع عاجل مع ممثلي الحكومة لمناقشة تدهور الأوضاع الصحية ومحاولة التوصل إلى حل يمنع وقوع كارثة.

اتهامات بانتهاك سياسات السجون

يتهم محامو المضربين الحكومة بانتهاك سياساتها المعلنة بشأن التعامل مع السجناء المضربين عن الطعام، مؤكدين أن السلطات تجاهلت واجبها في التواصل الإنساني وتقييم المخاطر الفردية لكل حالة، كما أشاروا إلى غياب أي استجابة رسمية طوال أسابيع، رغم وضوح المؤشرات الطبية الخطيرة، ما اعتبروه إهمالاً متعمداً قد يرقى إلى تحميل الحكومة مسؤولية مباشرة عن أي وفاة محتملة.

يواجه المضربون عن الطعام اتهامات تتعلق بأعمال اقتحام وتخريب وقعت قبل حظر حركة "فلسطين أكشن"، ومن بين هذه القضايا اقتحام آمو غيب قاعدة لسلاح الجو البريطاني وطلاء طائرتين، في حين تتهم السلطات كمران أحمد بالتسبب بأضرار تقدر بنحو مليون جنيه في موقع شركة دفاعية مرتبطة بإسرائيل. ويرى أنصار الحركة أن هذه التهم ذات طابع سياسي، وأن التعامل معها بوصفها قضايا إرهاب يمثل توسيعاً خطيراً لاستخدام قوانين الأمن القومي لقمع الاحتجاج السياسي.

ويطالب المضربون برفع الحظر عن حركة “فلسطين أكشن”، والإفراج الفوري عن المعتقلين بكفالة، وضمان محاكمات عادلة، وحماية حرية التعبير داخل السجون، ويؤكدون أن الإضراب ليس سعياً للضغط الفردي فقط، بل محاولة لفتح نقاش عام حول دعم الحكومة البريطانية لإسرائيل في حربها على غزة، وما يصفونه بتواطؤ سياسي مع الانتهاكات بحق الفلسطينيين.

في المقابل، نفت وزارة العدل البريطانية هذه الاتهامات، ووصفتها بأنها غير صحيحة، وقالت في بيان إن السجناء مدعوون لتلقي الدعم الطبي في أي وقت، مؤكدة أن الحكومة لن تخلق حوافز تشجع الآخرين على تعريض أنفسهم للخطر عبر الإضراب عن الطعام، كما شدد رئيس الوزراء كير ستارمر ووزير السجون اللورد تيمبسون على أن القواعد المعتمدة يتم تطبيقها، وأن مصلحة السجون تمتلك خبرة واسعة وأنظمة فعالة للتعامل مع حالات الإضراب، لكنها لن تعقد لقاءات مع المضربين أو ممثليهم.

احتجاجات وانتقادات

خارج أسوار السجون خرجت القضية إلى الشارع البريطاني، حيث شهدت العاصمة لندن احتجاجات واسعة للمطالبة بالإفراج عن نشطاء "فلسطين أكشن" وفتح قنوات حوار رسمية معهم، وفي ميدان بيكاديلي قادت الناشطة السويدية غريتا ثونبرغ حشوداً من المتضامنين الذين أغلقوا الميدان احتجاجاً على استمرار احتجاز 8 نشطاء وإضرابهم المفتوح عن الطعام، ورفع المحتجون شعارات تحمل الحكومة مسؤولية تعريض حياة المضربين للخطر، مطالبين بتدخل إنساني عاجل.

على منصات التواصل الاجتماعي تصاعدت الانتقادات الموجهة لرئيس الوزراء كير ستارمر، حيث اعتبر ناشطون أن امتناعه عن التدخل حتى بدافع إنساني أو تعاطفي أمر صادم، خاصة في ضوء خلفيته المهنية؛ إذ كان محامياً سابقاً في مجال حقوق الإنسان، ورأى كثيرون أن موقفه الحالي يتناقض مع القيم والمبادئ التي طالما دافع عنها قبل توليه رئاسة الحكومة.

مع مرور الوقت لم يعد إضراب نشطاء فلسطين أكشن عن الطعام مجرد احتجاج داخل السجون، بل أصبح اختباراً حقيقياً لالتزام بريطانيا بمعايير حقوق الإنسان التي تتبناها رسمياً، فبين خطر الموت الذي يهدد المضربين، وصمت رسمي يراه منتقدون متعمداً، تتسع الفجوة بين الخطاب الحقوقي والممارسة الفعلية، وتتحول الأجساد المنهكة إلى لغة أخيرة تحاول فرض سؤال أخلاقي على الدولة والمجتمع.

تأسست حركة "فلسطين أكشن" في بريطانيا بوصفها حركة احتجاجية مباشرة تستهدف الشركات والمؤسسات المرتبطة بالصناعات العسكرية الإسرائيلية، وتستخدم أساليب العصيان المدني للضغط من أجل وقف التعاون العسكري مع إسرائيل، وفي السنوات الأخيرة، صعّدت الحكومة البريطانية إجراءاتها ضد الحركة، وصولاً إلى حظرها بموجب قوانين مكافحة الإرهاب. ويأتي الإضراب الحالي عن الطعام في سياق أوسع من الجدل داخل بريطانيا حول حدود حرية الاحتجاج، واستخدام التشريعات الأمنية في مواجهة الحركات السياسية، خاصة تلك المرتبطة بالقضية الفلسطينية، في ظل حرب غزة التي أثارت انقساماً عميقاً في الرأي العام البريطاني. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية